قضيّتا الاستيطان والقدس من بين المواضيع الكبرى المؤجلة على طاولة مفاوضات التسوية الفلسطينية-«الإسرائيلية»، وقد أبقاهما كذلك طاقم المفاوضات الصهيونية ولأجلٍ غير مسمّى حتى يتسنّى له تنفيذ كلّ خططه الحالية والمستقبلية، فإذا ما حان وقت التباحث مع الفلسطينيين بشأنهما لم يجدْ المفاوض الفلسطيني شيئاً يناقشه وتكون القدس قد تمّ تهويدها والمستوطنات الصهيونية قد ابتلعت معظم الأراضي العربية الفلسطينية ولم يتمْ ترك سوى مناطق جغرافية صغيرة ومعزولة. وقبيل بدء المرحلة الثانية من المفاوضات مع الجانب الفلسطيني استبقها «الإسرائيليون» بالكشف عن مخططات استيطانية صهيونية كبيرة في القدس المحتلة نفسها وفي محيط القدس ومناطق فلسطينية أخرى، ما أدّى إلى فشل المفاوضات بين الجانبين مصطدمة بعقبة الاستيطان التي ليس من السهل تجاوزها. فقد اشتملت المخططات الصهيونية على تسمين المستوطنات المقامة في جبل أبو غنيم ومعاليه أدوميم ورصد مبلغ 25 مليون دولار من ميزانية العام 2008 لهذا الغرض. كما تمّ الإعلان عن مخططٍ ضخمٍ لبناء مدينة استيطانية شمال القدس، وتحديداً في منطقة مطار قلنديا والذي وضعت قوات الاحتلال الصهيوني يدها عليه وصادرت مساحاتٍ واسعة حوله بعد حرب عام 1967. والمخطط يقوم على بناء 10 آلاف وحدة سكنية تشمل ما بين 50-80 ألف مستوطن، وهذه المنطقة تضمّ حالياً مجموعة من المصانع الصهيونية وتسمى بالعبرية «عطروت». وقد اضطرت الحكومة "الإسرائيلية" إلى غضّ النظر عن البدء في هذا المشروع حالياً نتيجة الاحتجاج الأمريكيّ باعتباره لا يخدم مفاوضات ما بعد مؤتمر أنابوليس. ومن المؤكّد أنّ الكيان الصهيوني لن يتخلّى عن هذا المشروع وسينفّذه في وقتٍ لاحق بعد أنْ تتهيأ فرص أفضل مما هي عليه الآن. إنّ مخططات تهويد القدس والسيطرة عليها بدأت في اليوم الأول لاحتلال المدينة، حيث تمّ هدم حي المغاربة فوراً وعلى رؤوس بعض ساكنيه الذين رفضوا مغادرة منازلهم وتمّ إقامة حيّ يهودي ضخمٍ مكانه والسيطرة على حائط البراق وهو الحائط الغربي للمسجد الأقصى والذي أبدل الصهاينة اسمه إلى «حائط المبكى». ويتم إقامة الصلوات فيه وشقّ الأنفاق عبره والوصول إلى تحت الحرم، وتعمد سلطات الاحتلال الصهيوني حالياً إلى تنفيذ خطة لهدم باب المغاربة والمعروف بباب النبي محمد صلى الله عليه وسلم والذي ربط فيه البراق خلال رحلة الإسراء إلى المسجد الأقصى، ويقضي المخطط الصهيوني ببناء جسرٍ مكانه للوصول إلى باحات الأقصى مباشرة. عشرات المستوطنات الصهيونية كذلك أقيمت على أطراف القدس العربية وعلى شكل تجمّعات كبرى تعزل المدينة المقدسة عن محيطها العربي من الجهات الأربع ومن أشهرها "جبعات زئيف" شمال غرب القدس و"معاليه أدوميم" في منطقة الخان الأحمر شرقاً و"غوش عتصيون" جنوباً، وغيرها كثير، ويزيد عدد المستوطنين فيها على 170 ألفاً وهو أكثر من عدد العرب الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس والتي ضمّتها « إسرائيل» رسمياً بعد احتلالها. والمخطط الصهيوني الموازي للاستيطان هو إجراءات تعسفية بحقّ سكان القدس العربية والهدف منه تفريغ سكانها منها وتضييق الخناق عليهم بالضرائب وهدم المنازل وسحب هويات المقدسيين بحجج وذرائع عديدة. وفي خطوةٍ للحلحلة الأمور وتحريكها اجتمع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس برئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت في أول لقاء بينهما بعد مؤتمر أنابوليس وجرى مناقشة قضية الاستيطان حيث يطالب الفلسطينيون بتجميد الاستيطان في القدس وغيرها بينما يرفض «الإسرائيليون» ذلك، فالجانب الفلسطيني لا يملك أي ورقة ضغطٍ على الجانب «الإسرائيلي» ليجبره على وقف الاستيطان أو تجميده. بينما لا يعجز الصهاينة عن ابتداع الحيل والخداع والمراوغة للتملص من أي التزام بتجميد الاستيطان حيث يبرّرون استمرارهم بالاستيطان بأنّه يتمّ في أراضٍ جرى ضمّها للكيان الصهيوني، أو أنّ ما يجري ليس بناء مستوطناتٍ جديدة وإنّ ما يقومون به هو «تسمين» للمستوطنات القائمة، وأنّ وثيقة أنابوليس المشتركة لا تشير إلى موضوع تجميد الاستيطان وأنّ الملف مفتوح وقابل للتفاوض، وهذا ما أكّده أكثر من مسؤولٍ صهيوني. المصيبة الكبرى أنّ الكيان الصهيوني وهو يفاوض الفلسطينيين يقوم بتنفيذ مخططاته الاستيطانية التوسعية ويمارس أقسى حالات العنف والإرهاب بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة بينما الفصائل الفلسطينية لا تزال تشنّ حملات معادية لبعضها بعضاً وترفض التوصل إلى اتفاقٍ أدنى لقواسم مشتركة لرأب الصدع الفلسطيني والعودة إلى الخندق الواحد باعتبار العدو الصهيوني لا يعرف إلا لغة القوة وأنّه علينا الممازجة بين خيار البندقية وخيار غصن الزيتون. |
الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011
الاستيطان في القدس
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق